تثير الممارسات الشنيعة التي تحصل منذ أول نوفمبر 1954 الدهشة بطابعها التعميمي . إذ يندرج موقف الجيوش الفرنسية في الجزائر في إطار من الهيمنة البوليسية و التعصب العرقي الشامل و انعدام الحس الانساني المنظّم و المعقلن فالتعذيب و التنكيل ممارسات تنطبق على المنظومة الاستعمارية برمّتها.
إن الثورة الجزائرية ، إذ تضع نصب عينها تحرير الأراضي القومية ، تهدف إلى القضاءعلى المنظومة الاستعمارية و انشاء مجتمع جديد . فاستقلال الجزائر ليس نهاية للاستعمار فقط بل هو أيضا القضاءعلى جرثومة المرض المزمن في هذه البقعة من العالم و وضع حدّ لمصدر الوباء.
تحرير الأراضي الجزائرية هزيمة للعنصرية و لاستغلال الانسان للانسان و تكريس السيادة غير المشروطة للعدالة.
التناقض الحقيقي
يجري تبرير حروب التحرير الوطنية غالبا و كأنها تعبّر عن التناقضات الداخلية للبلدان الاستعمارية . و رغم أن الحرب الفرنسية – الجزائرية تندرج في سياق تاريخي يتزامن مع المشاعر النامية و المتسلسلة لحركات التحرر القومي ، إلا أنها تتسم مع ذلك بمميزات خاصة .
عاشت الجزائر بوصفها مستعمَرة إستيطانية و أرضا تابعة للدولة الفرنسية في ظل هيمنة بوليسية و عسكرية لا مثيل لها في أي بلد مستعمَر آخر . و هذا مردّه إلى أن الجزائر لم تُلقِ السلاح عمليا منذ 1830 ، ثم إن فرنسا تعرف جيدا الأهمية التي تحتلها الجزائر من بين الدول التابعة لنفوذها الاستعماري . إذ لا شيء يمكن أن يفسّر إصرار فرنسا على احتلال الجزائر و جهودها المضنية في سبيل الإبقاء عليه ، إن لم يكن اليقين بأن استقلال الجزائر سيتسبب خلال فترة قصيرة بإنهيار امبراطوريتها .
إن الجزائر ، الواقعة بين أبواب فرنسا تكشف للعالم الغربي بالتفصيل و بوضوح تناقضات الواقع الاستعماري .
أن تستدعي فرنسا احتياطها من الجنود و أن تستنفر طبقات عدة و أن تحشد الضباط و أن توجّه الدعوات دوريا إلى الشعب لكي يقوم ببذل المزيد من التضحيات و أن تفرض الضرائب و تجمّد الأجور، … كل ذلك يشكّل توريطا لمجموع الأمة الفرنسية و زجّها و في حرب شعواء هدفها الابقاءعلى الاستعمار القائم .
إن الحماسة العامّة المضرّجة أحيانا بالدماء الذي ميّز مشاركة العمال و المزارعين الفرنسيين في الحرب ضد الشعب الجزائري ، جعل الفكرة القائلة بوجود بلد حقيقي يعارض بلدا شرعيا ، اهتزت في أساساتها .
و وفقا لجملة معبّرة تفوّه بها أحد رؤساء المجلس الفرنسي ، فإن الأمة الفرنسية تماهت مع جيشها المحارب في الجزائر .
فقد شارك في الحرب الجزائرية جميع الفرنسيين مشاركة واعية ، و ما الانتقادات القليلة التي وُجّهت حتى الآن من قبل بعض الأفراد إلا تنويه ببعض الأساليب التي تمارسها السلطات و التي “تعجّل في خسارة فرنسا الجزائر” . إن أحدا من الفرنسيين لا يدين في الجوهر إعادة الفتح الاستعماري هذه و لا الحملات العسكرية و لا محاولات وأد حرية شعب من الشعوب .
التنكيل ضرورة أساسية عند العالم الإستعماري
يُحكى كثيرا ، منذ بعض الوقت ، عن أعمال تعذيب يمارسها الجنود الفرنسيون على المواطنين الجزائريين ، نُشرت نصوص كثيرة و دقيقة و مرعبة بهذا الخصوص و أُجريت مقارنات تاريخية عدة ، كما قامت شخصيات أجنبية و من بينها شخصيات فرنسية بإدانة مثل هذه الممارسات .
لا شك أن الفرنسيين الذين ثاروا ضد أعمال التعذيب أو الذين ندّدوا بالتمادي فيها ، يُذكّرون بتلك النفوس التي تحدث عنها أحد الفلاسفة . ثم أن تسمية “المثقفين المتعبين” التي أطلقها عليهم مواطنوهم أمثال لاكوست (La coste) و لوجون (Lejeune) تبدو صائبة ، إذ لا يمكن أن نجمع بين الرغبة في البقاء على الهيمنة الفرنسية في الجزائر و إدانة الوسائل التي تستخدمها هذه الهيمنة في الوقت نفسه.
ليس التعذيب في الجزائر عارضاً أو كبوة أو خطأ . و لا يمكن فهم الاستعمار من دون إمكانية التعذيب أو الإغتصاب أو القتل التي ترافقه . التنكيل شرط من شروط العلاقة بين المغتصب و المحتل . و رجال الشرطة الفرنسية الذين كانوا لوقت طويل يدأبون بمفردهم على ممارسة أعمال التعذيب هذه ، لا يجادلون في ذلك و يعتبرون ضرورة تبرير العذابات التي يقومون بها فضيحة و مفارقة خطيرة .
التعذيب ، أسلوب حياة
الجدير بالإشارة إليه أن النظام الاستعماري يتعرض برّمته إلى أحداث و أعطال ، و تحليلها يبدو أمرا في غاية الأهمية : فخلال الفصل الأول من عام 1956 كثرت الحالا بين رجال الشرطة الذين وصل بهم الأمر إلى حد الجنون.
و الاضطرابات التي كانوا يتعرضون لها في أوساطهم العائلية (كانوا يهدّدون نساءهم بالموت و يمارسون العنف على أطفالهم و تعتريهم حالات الأرق و الكوابيس و يهددون باستمرار بالانتحار و يقترفون الأخطاء المهنيَّة كالمشاجرات مع زملائهم و التهاون أثناء الخدمة و انعدام الحيوية و المواقف التي يقلّلون فيها من احترام رؤسائهم…) استلزمَتْ في مرات عدة عناية طبية نفسية أو انتقالا إلى مركز جديد أو في معظم الأحيان عودة إلى فرنسا .
إن الظهور الكثيف للأجهزة الثورية الديناميكية و ردود الفعل الصاعقة التي يقوم بها فدائيّونا و انتشار جبهة التحرير الوطني على كامل رقعة أرض الوطن … كل هذا يطرح على رجال الشرطة الفرنسيين مشاكل يصعب تخطيها . كما أن حالة الاستنفار الدائم التي تُبقيهم فيها جبهة التحرير هي السبب في استفزازهم السريع و غضبهم .
بَيْدَ أن رجال الشرطة يشرحون موقفهم : يضربون أطفالهم بقسوة لأنهم يعتقدون أنهم لا يزالون في مواجهة مع الجزائريين . يهددون زوجاتهم لأنهم يهددون المساجين طوال النهار و ينفّذون الأوامر . يصيبهم الأرق لأنهم يسمعون صراخ ضحاياهم و انتحابهم .
تطرح مثل هذه الواقعات بعض من المشاكل بالطبع : هل نحن في حضرة أناس يتأكلهم الندم ؟ هل يتعلق الأمر بيقضة للضمير الأخلاقي ؟ هل تشكل العذابات التي يعترف بها رجال الشرطة حالات اسثنائية ؟ هل يمكن تفسير التحول النفسي الذي طرأ على شخصيات هؤلاء الشرطيين و اقترابهم من حالاتٍ مرضيّة ، وردّه إلى أعمال التعذيب غير العادية و غير المألوفة و غير الشرعية التي يمارسونها على ضحاياهم ؟
و بكلام آخر ، هل يعيش الشرطيّ الجلّاد في تناقض مع قيم الجماعة التي ينتمي اليها و النظام الذي يدافع عنه ؟
لكن الفرنسيين ينفون أعمال التعذيب التي تُمارس في الجزائر متوسلين حجة كزدوجة : يؤكدون أنها حالات استثنائية.
و يصدّق المثقفون الفرنسيون هذه الكذبة ويتساهلون معها . و يشكّل هذا التساهل تنازلا كبيرا و استقالة من مهمتهم الانسانية . قالت الحكومة إنها ستنزل العقوبات بمرتكبي هذه الممارسات دون أن تجعلها علانية . لكأنَّ تعذيب انسان أو لكأنَّ المجزرة المنظمة لا يخضعان لأحكام القانون الإجرامي العام . إنَّ كل من يدَّعي حرصا شغوفا بالحق و العدالة لا يمكنه القبول بهذه الخدعة المضّللة دون أن يقع في تناقض مع ذاته .
التهرب من تحمل المسؤوليات
لكن الأدلة تزداد و تبدو أعمال التعذيب أقل فأقل استثنائية . و تُلقى المسؤولية بأكملها على عاتق عناصر أجنبية تخدم في الجيش الفرنسي . تبدو هذه الحجة الثانية مهمّة لأنها تُظهر في الوقت نفسه استخفاف السلطات الفرنسية و عجزها المتزايد عن الخداع أو التعتيم أو الكذب . لا يكفّ الفرنسيون منذ عام عن التكرار بأن من يقوم بالتعذيب عناصر قديمة في المخابرات تخدم في الفيلق . لكن أكثرية الهاربين من الجيش الفرنسي هم من الجنود المرتزقة ، و السبب أن الطرق البولسية الفرنسية تثير اشمئزازهم . يترك الجنود الألمان و الإيطاليون صفوف الأعداء ليلتحقوا بجيش التحرير الوطني . تحدّثنا مع العشرات منهم قبل عودتهم إلى أوطانهم و بدا لنا أن هؤلاء المرتزقة القدامى متفقون على أمر واحد و هو أنَّ وحشية القوات الفرنسية وساديّتها مرعبتان .
من الأهمية بمكان ألا ننسى أن ظهور الجنود الجلادين يرقى إلى شتاء 1955 ، كان رجال الشرطة هم الذين يمارسون بمفردهم طوال عام أعمال التنكيل في الجزائر .
كما نملك اليوم في حوزتنا معلومات دقيقة عن الوسائل التي يستعملها الفرنسيون . نُشرت شهادات عدة ووضعت الجداول بأصناف التقنيات المستعملة في التعذيب . إلا أننا نفتقر إلى المبادىء المتعلقة بعقيدة التعذيب و فلسفتها . ثمة معلومات تملكها جبهة التحرير الآن و هي تلقى الضوء بشكل خاص على هذا التبرير العقلي لعملية التعذيب .
لوفريدو (Lofrédo) و بودڤان (Podevin) مُنظرا عقيدة التعذيب
إن الشرطيين الفرنسيين لوفريدو (المفوّض في الجزائر العاصمة) و بودڤان (رئيس الشرطة القضائية في البليدة) أوضحا أمام زملائهما و ضمن عروض تقنية قُدمت إلى مساعديهم الجدد بعض الوسائل التي يستعملونها :
١) عندما تشير شهادات و تقارير متجانسة إلى أحد الأشخاص الجزائريين الذين يلعبون دورا مهمّا في أحد التنظيمات المحلية لجبهة التحرير الوطني ، يتم توقيف هذا المواطن و اقتياده إلى أحد مراكز الشرطة القضائية . عندئذ لا يُوجّه إليه أي سؤال لأنه في هذه المرحلة من التحقيق “لا نعرف الوجهة التي يمكن أن يتخذها الاستجواب و يجب ألا نلفت انتباه المشتَبه به إلى جهلنا”. و أفضل وسيلة لتحطيم مقاومته هو استعمال الطريقة التي تدعى “العمل التمهيدي من خلال إعطاء المثل”.
و يكون المثل بأن تترك بعض السيارات الجيب العسكرية مركز الشرطة لتلقي القبض على عشرات الجزائريين بطريقة عشوائية . قد تلتقطهم من الشارع أو في أكثر الأحيان من الدوار المجاور ثم تقتادهم الواحد تلو الآخر أمام المشتبه به و ثم تعذيبهم حتى الموت . و يمكن المباشرة في عملية الاستجواب الحقيقي بعد خامس أو سادس عملية قتل تستهدف أحد الموقوفين .
٢) أما الطريقة الثانية فتقوم على تعذيب المشتبه به منذ البداية . ويُفترض القيام بعدة جلسات تعذيب لتحطيم طاقته و مقاومته . لا يُطرح أي سؤال على المشتبه به ، استعمل المحقق بودڤان هذه الطريقة في البليدة على نطاق واسع ثم في الجزائر العاصمة . لكنه يعترف بأنه من الصعب عدم قول شيء للمشتبه المنكّل به حين يطالب جلّاده بتفسيرات . لذا ، يجب التعجيل بتحطيم مقاومته .
عند الجلسة السادسة أو السابعة . كل ما يُقال له : تستطيع الكلام فنحن نصغي اليك. و هنا لا يتخذ التحقيق أي وجهة معينة ، يجب على المشتبه به أن يقول كل ما يعرفه . و في الحالين تطالعنا الظاهرة نفسها : الاستجواب مرجأ .
من الطبيعي إذا ، في إطار تبرير الغاية أن يتحرر التحقيق من الاهتمام بالوسائل المستعملة ، و يصبح التعذيب عملا مشروعا و هدفا بذاته . لكي يكون النظام الاستعماري منطقيا مع نفسه ، عليه أن يتقبل بأن يكون التنكيل إحدى وسائله الأساسية .
المثقفون الفرنسيون و الصحافة الفرنسية
ليس بإمكان السيد مارتان شوفييه (Martin Chauffier) أن يتفلّت من هذه المعضلة إذ يلاحظ بسهولة في أحد تقاريره الحذرة التي يرفعها الى رؤسائه ما يشبه الموافقة على أعمال التعذيب التي تُمارس بحق الجزائريين ، يستعيد الكاتب الحجة القائلة بأن التعذيب استثنائي و يشدد على الأمر بشكل خاص . إلا أنه يعترف أخيرا بأن هذه الجرائم المرتكبة تظل بعيدة عن الأضواء و لا تحفل بإهتمام السلطات العليا بها و بما أن هذه الجرائم لا تلقي عقابا رادعا فهي تشجّع بالتالي على المضي بها . و توشك أن تصير نظاما فعليا . لا يمكن اغفال التناقض الموجود في هذا الموقف ، إذ يبدو من خلاله أن السلطة الفرنسية العليا في الجزائر هي التي توافق على هذه الجرائم و تنصح بها و تشرّعها ، و إن كل ما يُزعم عن جهل السلطات العليا بمرتكبيها و بها لهو كذب و التباس و اضحان .
بإمكان مارتان شوفييه أن يتعجب إذا وصَفنا تصرّفه بأنه غير مفهوم . فالتعذيب في الجزائر ليس وسيلة للحصول على معلومات بل هو “انحراف ساديّ” . و هذه العبارة التي وردت في تقرير مارتان شوفييه هي الوحيدة التي تستحق التقدير : “يؤدي هذا النظام إلى انحراف هؤلاء الذين يشكلّون أدواته”.
أما السيد ج. م. ماتي (G. M. Mattei) الذي شارك في الحملات العسكرية الفرنسية على الجزائر ، فقد نشر منذ فترة مقالا في مجلة “الأزمنة المعاصرة” (Les Temps Modernes) يقول فيه : “أذكر أنه بين الفينة و الأخرى ، عندما كانت السينما الجوّالة تعرض للكتيبة فيلما مضجرا ، كان الجنود و الضباط ينهضون من أمكنتهم و يذهبون بهدوء ليمضوا نهاية السهرة برفقة المساجين … كانت موسيقى الفيل تعلو على صوت الصرخات …”.
يحتّج السيد ماتي على هذه الانتهاكات المتتالية للكرامة و الشرف الفرنسيين و يُنهي شهادته ، بطبيعة الحال ، بالحجة التي أصبحت كلاسيكية لدى الديمقراطيين الفرنسيين : “أي جيل ينتظرنا في بؤرة الفساد هذه التي هي الجزائر ؟ إن أخطر أمر يواجهنا هو ما سيؤول إليه هؤلاء الشباب بعد انقضاءاثني عشر شهرا على استدعائهم إلى صفوف جيش فرنسا الوطني و الذين قضيت معهم ستة أشهر : لقد أصبحوا قراصنة حقيقيين “.
لا يمكن أن نعثر على مثل يجّسد بشكل أفضل ما ندعوه انحراف الحس الأخلاقي . حين يردد المثقفون الفرنسيون ، مع السيد ماتي ، الكلام نفسه على أنه “يوجد حاليا في الجزائر مشروع واسع هدفه إعدام الحس الانساني لدى الشبان الفرنسيين”؛ و حين يتأسفون قائلين إن المجندين الفرنسيين “يتعلمون هناك الفاشية”، فيجب أن ندرك و الحالة هذه أن ما يهم هؤلاء المثقفين ذوي النزعة الانسانية هو التبعات الأخلاقية فقط لهذه الجرائم و تأثيرها على نفوس الفرنسيين . إن الخطورة التي تتسم بها أعمال التعذيب و السخرة و الإغتصاب المرعب للفتيات الجزائريات ، كل هذه الممارسات يجب أخذها بعين الاعتبار فقط لأنها تشوّه فكرة “الشرف الفرنسي” الراسخة في أذهان الفرنسيين .
يستحق مثل هذا الموقف عناء التأمل فيه لأن هذا الإقصاء أو الإلغاء للانسان الجزائري و هذا التجاهل للانسان المنكّل به أو للعائلة القتيلة يشكلان ظاهرة فريدة تماما . إنها ظاهرة تطبع المواطن الفرنسي الذي بات يتمحوَر كل همّه حول ذاته و مجتمعه متجاهلا ما يعاني منه الناس الآخرون .
هل يتخوف المثقفون من انتقال العدوى اللاأخلاقية؟ مهما يكن ، يبدو التخوف باطلا تماما ، ما يعذّب الشرطيين المرضى ليس ضميرهم . و إذا كانوا يواظبون على معاينة أعمال التعذيب خارج أوقات الدوام في مكاتبهم و محترفاتهم فمردّ ذلك إلى ما يتعرضون له من إرهاق في ممارسة أعمالهم . ما يطالب به الشرطيون هو إمكانية مواصلة أعمال التعذيب و ليس صفاء البال أو النفس.
النظام موضوع المسألة
لا ينتهك الشرطي الجلاد في الجزائر أي قانون ، فأعماله تندرج في إطار المؤسسة الاستعمارية ، و هو ، بأعمال التعذيب التي يمارسها ، يُظهر تفانيا حقيقيا للنظام . و هكذا ، لا يمكن للجنود الفرنسيين أن يعترضوا علا الممارسات دون أن يدينوا في الوقت نفسه الهيمنة الفرنسية على الجزائر ، يجب على كل فرنسي في الجزائر أن يتصرف كجلّاد. و إذا كانت فرنسا راغبة في البقاء في الجزائر ، فليس هناك من حل أمامها إلا الإبقاءعلى الاحتالال العسكري و توطيد بنية عسكرية جبارة .
يستحيل على القوات المعادية أن تقوم بعمل آخر سوى جلائها عن الأراضي القومية .
لا يناضل الشعب الجزائري ضد أعمال التعذيب و اغتصاب الفتيات أو الاغتيالات الجماعية . فتاريخ الاحتلال الفرنسي حافل بهذه الجرائم . و في منطقة القبائل ، لا يزال السكان يخيفون الأولاد بأن يهددونهم باستدعاءالجنرال بيجو (Bugeaud).
و لا يجهل الشعب الجزائري أن البنية الاستعمارية قائمة بالضرورة على التعذيب و الاغتصاب و القتل .
من هنا تبدو مطالبتنا بالتحرير كاملة و مطلقة و شاملة .
إن الشرطيين الساديين الذين تعذَّر عليهم أن يغمضوا أجفانهم و الجنود الجلّادين الذين “يشكون التحول إلى فاشيين”، يطرحون علينا نحن الجزائريين سؤالا محددا : هل من سبيل آخر سوى المضي في الاستراتيجية المعتمدة و تكثيف النضال لكي يتم تحرير الأراضي في أقرب وقت ممكن؟
كل خيار آخر يبدو لنا غريبا تماما و باطلا .
من مقال فرانز فانون الذي نشر في جريدة المجاهد ، عدد 10 ، سبتمبر 1957
اترك تعليقاً